ثورة الأسعار الثالثة.. وخطورة سياسات قطاع البترول
شهدت بداية السبعينيات تغييرات جذرية في سوق البترول العالمية تزامنت مع حرب أكتوبر1973, حيث قامت دول الأوبك برفع سعر برميل البترول من3 إلي12 دولارا.. وقد احدث ذلك ردود افعال واسعة لدي الدول الصناعية الكبري المستوردة للبترول والتي اطلقت علي ماحدث ثورة الأسعار الأولي وسارعت تلك الدول بإعادة ترتيب اوراقها.. وتقدم وزير الخارجية الأمريكي الاسبق هنري كيسنجر باقتراح لانشاء الوكالة الدولية للطاقةiea في فبراير1974 والتي قامت بوضع وتنفيذ ومتابعة سياسة الطاقة للدول الصناعية المستوردة للبترولoecd ونفذت الدول الصناعية طرقا مدروسة ومخططة لمواجهة المشاكل المترتبة علي زيادة أسعار البترول وسارعت إلي زيادة اسعار صادراتها إلي الدول المصدرة للبترول وبنسبة تفوق الزيادة في أسعار وارداتها البترولية.
ثم بسبب حرب الخليج الأولي اشتعلت ثورة الأسعار الثانية80/79 وقفز سعر البرميل إلي34 دولارا.. إلا ان الدول الصناعية كانت قد استوعبت الدرس الأول واستعدت للمتغيرات الجديدة بفضل تنسيق وتوحيد سياستها التي نفذتها بدقة الوكالة الدولية للطاقة في مواجهة دول الاوبك والدليل علي ذلك الهبوط المتتالي لأسعار البترول, حيث بلغ سعر البرميل8 دولارات وحلت نكسة أسعار البترول عام86 والتي كان من أهم اسبابها سياسات الدول الصناعية والمصدرين من خارج اوبك, بالاضافة إلي تناقض المصالح والسياسات بين دول أوبك نفسها!! والحقت نكسة أسعار البترول اضرارا فادحة بالدول المصدرة للبترول ثم امتدت الاضرار إلي الدول الصناعية نفسها, حيث اضيرت صناعة البترول العالمية, كما اضيرت الاستثمارات والصناعات الاقتصادية الغربية وتوقفت بعض الدول المدينة عن سداد اقساط ديونها للبنوك الغربية وهذا ما دفع كل الاطراف لاتخاذ جميع الوسائل لتحقيق الاستقرار في سوق البترول العالمية وايقاف تدهور أسعاره وقد استعادت السوق بعض الاستقرار واستعادت الاسعار بعض الارتفاع بين عامي87 و90, حيث تاريخ الغزو العراقي للكويت, حيث قفزت الأسعار إلي ارقام فاقت الاربعين دو
لارا للبرميل ثم سرعان ما تراجعت بعد تحرير الكويت.. ثم ارتفعت الأسعار مرتين في عام2003 بسبب الحرب التي شنتها القوات الأمريكية والبريطانية علي العراق ثم تخطي سعر البرميل حاجز الـ78 دولارا اثناء حرب لبنان.
ويصف الكثير من الاقتصاديين الوضع الحالي بإنه ثورة نفطية ثالثة.. إلا أنني اختلف مع هذا الوصف لانه في رأيي لن تتدهور الأسعار في المستقبل القريب مثلما حدث قبل ذلك خلال حرب أكتوبر أو خلال حرب الخليج الأولي أو الثانية وسوف تظل حول المعدلات الحالية وربما تزيد كثيرا أو تقل قليلا ويرجع ذلك لسببين, أولا: ان الاتجاه الصعودي للأسعار ليس بسبب احداث طارئة مثل السابق ذكرها, حيث اثرت تلك الأحداث علي القدرات الانتاجية وعمليات التصدير, أما الآن فإن الاتجاه الصعودي للأسعار مصاحب لوصول القدرات الانتاجية المتاحة إلي حدها الاقصي, وبعض النقص في تلك القدرات يعود لظروف امنية وسياسية وجوية وعسكرية, بعضها متزامن والآخر متراكم, ولايمكن لأحد التوقع كيف ومتي تتوقف أو تنتهي, فهناك الظروف الأمنية في نيجيريا والاضطرابات السياسية في فنزويلا والظروف العسكرية والسياسية في العراق وموسم الاعاصير في المكسيك الذي يهدد من وقت لآخر باغلاق معامل التكرير هناك وانخفاض الامدادات من بحر الشمال.. والملف الايراني واحتمال فرض عقوبات علي إيران هذا بالاضافة إلي الزيادات الرهيبة في الطلب علي البترول من الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبر
ي والمارد القادم الصين, ثانيا: تغيير موقف الدول الصناعية الكبري بعد ان استوعبت درس نكسة أسعار البترول في الثمانينيات ويؤكد ذلك تصريح مدير الوكالة الدولية للطاقة مؤخرا بأن الاتجاه الصعودي للأسعار ليس بسبب نقص في الاسواق وهو ما يعني رضا الغرب عن هذه الأسعار وتوافقها مع مصالح الشركات الغربية البترولية التي تستحوذ علي نصيب الأسد من الموارد البترولية العالمية وادراك الغرب في رأيي الشخصي لتناقص الاضافات المؤثرة إلي الاحتياطيات العالمية من الزيت الخام.
اما علاقة ماسبق بخطورة ما يتم اتباعه من سياسات في قطاع البترول المصري فهو ما احتواه تقرير رسمي من الوزارة بأن القطاع قد قام عام2005 بالتنسيق مع وزارة المالية ببيع جزء من صادرات مصر البترولية لفترة مستقبلية مدتها5 سنوات.. في صفقة حققت عائدات تصل إلي2 مليار دولار.. ولم يوضح التقرير كيف تم تحديد السعر المستقبلي والكميات المزمع تصديرها حتي عام2010, وهل تم الاخذ في الاعتبار بأي دراسات تحليلية وعلمية عن مستقبل الأسعار مثل التي تم ذكرها في هذا المقال؟.. كل ما سبق يستدعي ردا موضوعيا من الوزارة باعتباري مواطنا له نصيب فيما تم التصرف فيه ـ لانه ربما تكون قيمة صادراتنا المستقبلية في الصفقة المشار إليها اضعافا مضاعفة لهذا الرقم الذي ارادت الوزارة ان تخزي به عيوننا.